
شهدت نواكشوط اليوم الأربعاء حدثا اقتصاديا بارزا تمثل في افتتاح منتدى الأعمال الموريتاني الإسباني بقصر المؤتمرات المختار ولد داداه، في إطار فعاليات الاجتماع الأول رفيع المستوى بين موريتانيا وإسبانيا الذي يترأسه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الحكومة الإسبانية السيد بيدرو سانشيز.
وقد افتتح معالي وزيرالاقتصاد والمالية السيد سيد أحمد ولد أبُوه هذا المنتدى ، وسط حضور لافت ضم نخبة من كبار المسؤولين من البلدين، حيث شارك وزراء الزراعة والتجارة الموريتانيان، إلى جانب رئيس غرفة التجارة ورئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل ، ورئيس مجلس الأعمال الموريتاني الإسباني، فضلا عن المدير الدولي لغرفة التجارة الإسبانية والسيدة أليسيا فاريل المديرة العامة للتجارة الدولية والاستثمار بإسبانيا.
ويمثل هذا المنتدى محطة استراتيجية في مسيرة تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث يهدف إلى تحفيز الاستثمارات وبناء شراكات استراتيجية قوية بين القطاعين الخاصين في موريتانيا وإسبانيا، في ظل الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها موريتانيا في قطاعات حيوية متعددة.
رؤية طموحة للشراكة الاقتصادية
خلال كلمته الافتتاحية، شدد معالي وزير الاقتصاد والمالية السيد أحمد ولد أبُوه على أن انعقاد هذا المنتدى يأتي في توقيت مثالي لتعزيز الحوار الاقتصادي الثنائي، مشيرا إلى الدور المحوري الذي بإمكان القطاعين الخاصين في موريتانيا وإسبانيا أن يلعباه في دفع عجلة التعاون الثنائي إلى آفاق أرحب.
ولفت الوزير إلى أن موريتانيا تمضي قدما، تحت القيادة الرشيدة لفخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في مسعاها لخلق مناخ استثماري جاذب ومحفز من خلال حزمة من الإصلاحات الهيكلية الطموحة، والتي تضمنت إنشاء وكالة متخصصة لترقية الاستثمار، وتحديث مدونة الاستثمار، وإصدار قانون جديد ينظم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفي هذا السياق، أكد الوزير قائلاً: "إننا اليوم أمام فرصة حقيقية لتطوير مشاريع مشتركة وبناء جسور التعاون في قطاعات واعدة وحيوية"، مضيفا أن الاهتمام المتنامي والحرص الصادق الذي يبديه الجانب الإسباني على توطيد علاقاته الاقتصادية مع موريتانيا يشكل أساسا متينا لانطلاقة جديدة نحو تعاون اقتصادي أكثر توازنا وفاعلية.
قطاعات واعدة للاستثمار والتعاون
تناول النقاشات خلال جلسات المنتدى ثلاثة محاور استراتيجية تعكس الأولويات الاقتصادية لموريتانيا والفرص الاستثمارية المتاحة أمام الشركات الإسبانية:
المحور الأول: الصناعات التحويلية والثروات الطبيعية
شمل هذا المحور قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصيد والتعدين، وهي قطاعات تمتلك موريتانيا فيها ثروات كبيرة لكنها ما تزال بحاجة إلى الاستثمار والتحول الصناعي لخلق القيمة المضافة ورفع فرص التشغيل والتحسين. وتبرز في هذا السياق الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (SNIM) كأحد أهم الفاعلين في القطاع التعديني الموريتاني، حيث تلعب دورا محورياً في استخراج وتصدير الحديد الخام.
كما تتمتع موريتانيا بموقع استراتيجي على الساحل الأطلسي يجعلها بوابة طبيعية للتجارة بين المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، مما يوفر فرصاً استثمارية واعدة في مجال الصناعات الغذائية وتجهيز المنتجات الزراعية والحيوانية للتصدير.
المحور الثاني: الطاقة والمياه والبيئة
يمثل هذا المحور أحد أهم مجالات التعاون المستقبلي، حيث تجمع موريتانيا بين الإمكانات الكبيرة في الغاز الطبيعي والطاقات المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر. وتسعى البلاد إلى جذب الاستثمارات في البنى التحتية المستدامة والتحولات المناخية، مما يفتح آفاقاً واسعة للشركات الإسبانية المتخصصة في هذه المجالات.
تشهد موريتانيا اهتماما متزايدا من المستثمرين الدوليين في مجال الطاقة المتجددة، خاصة مع الإعلان عن مشاريع طموحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، مما يجعلها وجهة مثالية للاستثمارات الإسبانية في هذا القطاع الحيوي.
المحور الثالث: الخدمات اللوجستية والسياحة
تسعى موريتانيا إلى أن تكون منصة إقليمية تربط المغرب العربي بإفريقيا الغربية والمحيط الأطلسي من خلال تطوير البنى التحتية والمناطق الاقتصادية والخدمات الحديثة. ويشمل هذا المحور تطوير الموانئ والمطارات وشبكات النقل، بالإضافة إلى تنمية القطاع السياحي الذي يتمتع بإمكانات كبيرة نظرا للتنوع الجغرافي والثقافي الذي تتميز به البلاد.
إطلاق منصة "قنطرة": جسر رقمي للتعاون الاقتصادي
وقد شهد المنتدى الإطلاق الرسمي لمنصة "قنطرة" الرقمية للتبادل بين موريتانيا وإسبانيا، والتي قدمها السيد محمد ولد الوالد رئيس مجلس الأعمال الموريتاني الإسباني. تهدف هذه المنصة إلى تيسير التعاون الاقتصادي بين نواكشوط ومدريد من خلال توفير قناة رقمية متطورة تربط بين رجال الأعمال والمستثمرين في البلدين.
تمثل منصة "قنطرة" خطوة مهمة نحو رقمنة العلاقات التجارية وتسهيل الإجراءات الاستثمارية، حيث ستوفر معلومات شاملة حول الفرص الاستثمارية والإجراءات القانونية والتنظيمية، بالإضافة إلى تسهيل التواصل المباشر بين الشركات الموريتانية والإسبانية.
عروض تقديمية متخصصة:
استعراض الفرص والإمكانات
قدم السيد حبيب الله محمد أحمد المدير العام المساعد لوكالة ترقية الاستثمارات في موريتانيا عرضاً تقديميا شاملا حول الفرص الاستثمارية ومناخ الأعمال في موريتانيا، سلط فيه الضوء على الإصلاحات الحديثة والحوافز المتاحة للمستثمرين الأجانب.
كما شهد المنتدى عروضاً مؤسسية متنوعة، شملت عرضاً للرابطة الأيبيرية الأفريقية لغرف التجارة (AFRICO)، وعرضاً للمنتدى الدولي للمياه والطاقة المتجددة في أفريقيا (AFRICAGUA)، بالإضافة إلى عرض للمنصة متعددة الأطراف في جزيرة تينيريفي والمنتدى الاقتصادي الأيبيري الإفريقي.
هذه العروض أتاحت للمشاركين فهماً أعمق للآليات والمنصات المتاحة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين إفريقيا وإسبانيا، وفتحت آفاقاً جديدة للشراكات المتعددة الأطراف.
جلسات متزامنة: تفصيل الفرص القطاعية
كما نظمت في المنتدى ثلاث جلسات متزامنة في قاعات الاجتماعات بقصر المؤتمرات، تناولت كل منها قطاعاً محدداً بتفصيل أكبر:
الجلسة الأولى ركزت على الصناعات التحويلية والصناعات الغذائية والثروة الحيوانية والصيد والتعدين، حيث ناقش المشاركون الفرص المتاحة في هذه القطاعات الحيوية والتحديات التي تواجهها، بالإضافة إلى سبل تطوير الشراكات بين الشركات الموريتانية والإسبانية.
الجلسة الثانية تناولت قطاعات الطاقة والمياه والبيئة، مع التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، والتي تمثل أولوية استراتيجية لموريتانيا في إطار رؤيتها للتنمية المستدامة.
الجلسة الثالثة استعرضت إمكانات موريتانيا كقطب لوجستي وسياحي، مع التركيز على المشاريع الطموحة لتطوير البنية التحتية والموانئ والمناطق الاقتصادية الحرة.
طاولة مستديرة: تجارب عملية من الميدان
اختتم المنتدى بطاولة مستديرة حول تجارب الأعمال، شارك فيها ممثلون عن خمس شركات موريتانية وإسبانية، هي الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (SNIM)، وشركة IDOM الإسبانية، وشركة M Seafood الموريتانية، وشركة KUNGELE، حيث استعرضوا تجاربهم العملية في السوق الموريتانية والتحديات والفرص التي واجهوها.
أدار هذه الجلسة السيد دانييل جاكوبو أورياء المستشار الاقتصادي والتجاري بسفارة إسبانيا في السنغال، والذي أكد على أهمية تبادل التجارب العملية في بناء شراكات ناجحة ومستدامة.
شركة SNIM، كونها الشركة الرائدة في قطاع التعدين الموريتاني، قدمت نموذجا للنجاح في استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الشراكات الدولية، بينما استعرضت الشركات الأخرى تجاربها في قطاعات متنوعة تشمل الهندسة والاستشارات والصناعات الغذائية البحرية.
السياق الاقتصادي: علاقات متنامية وأرقام واعدة
تأتي هذه الفعالية في سياق تطور ملحوظ في العلاقات الاقتصادية بين موريتانيا وإسبانيا، حيث يتزايد حجم التبادل التجاري بين البلدين .
كما تحتل الشركات الإسبانية مكانة مهمة في مشاريع كبرى خيث
تربط موريتانيا وإسبانيا علاقات اقتصادية استراتيجية، لا سيما في مجالات الصيد البحري والخدمات اللوجستية ، مما يوفر أساسا قويا لتطوير هذه العلاقات نحو آفاق أوسع وأكثر تنوعاً.
وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز لموريتانيا في فبراير 2024، والتي أعلن خلالها تقديم مساعدات أوروبية بقيمة اكثر من نصف مليار يورو لموريتانيا لتعزيز تنميتها الاقتصادية.
التنظيم والشراكات: جهد مؤسسي متكامل
الجدير بالذكر أن هذا المنتدى من نظم طرف مجلس الأعمال الموريتاني الإسباني، بالتعاون مع شبكة واسعة من المؤسسات المتخصصة، شملت غرفة التجارة والصناعة والزراعة الموريتانية، والاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين، ووكالة ترقية الاستثمارات في موريتانيا، بالإضافة إلى غرفة التجارة الإسبانية والمكتب الإسباني للتجارة الخارجية (ICEX)، وفيدرالية منظمات أرباب العمل الإسبان.
هذا التعاون المؤسسي الواسع يعكس الجدية والالتزام من الجانبين لجعل هذا المنتدى منصة فعالة ومستدامة للحوار الاقتصادي والتعاون التجاري، ويضمن استمرارية المبادرات والمشاريع التي تم الاتفاق عليها خلال الفعالية.
آفاق مستقبلية: نحو شراكة استراتيجية متجددة
يمثل منتدى الأعمال الموريتاني الإسباني خطوة مهمة في مسيرة تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث يفتح آفاقا واسعة للتعاون في قطاعات حيوية ومتنوعة. ومع الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها موريتانيا في مجالات الطاقة المتجددة والثروات الطبيعية والموقع الاستراتيجي، تبدو الفرص مواتية لبناء شراكة اقتصادية قوية ومستدامة مع إسبانيا.
كما أن الإصلاحات الهيكلية التي تشهدها موريتانيا في مجال الاستثمار، والتي تشمل تحديث القوانين وتبسيط الإجراءات وإنشاء وكالة متخصصة لترقية الاستثمارات، تخلق بيئة جاذبة للمستثمرين الإسبان وتسهل عليهم الدخول إلى السوق الموريتانية.
من جانب آخر، تسعى موريتانيا إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية في وتعزيز حضورها الدولي، مما يجعل اسبانيا وجهة مثالية لهذه الاستراتيجية، خاصة مع الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين والقرب الجغرافي الذي يسهل التبادل التجاري.
التحديات والفرص: رؤية واقعية للمستقبل
رغم الإمكانات الواعدة، تواجه الشراكة الاقتصادية بين موريتانيا وإسبانيا تحديات عدة تتطلب معالجة مدروسة ومتدرجة. من أبرز هذه التحديات ضرورة تعزيز البنية التحتية في موريتانيا، وكذلك القدرات البشرية، ومواصلة تحسين بيئة الأعمال بشكل مستمر.
كما تتطلب الشراكة الناجحة تطوير آليات تمويل مبتكرة تتناسب مع طبيعة المشاريع الاستثمارية في موريتانيا، وتعزيز التعاون في مجال نقل التكنولوجيا والخبرات، بالإضافة إلى بناء جسور ثقة قوية بين مجتمعي الأعمال في البلدين.
من ناحية أخرى، تفتح التطورات الإقليمية والدولية فرصا جديدة للتعاون، خاصة في مجال الطاقة المتجددة والتحول الأخضر، حيث تتمتع موريتانيا بإمكانات هائلة يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف إسبانيا في مجال الاستدامة البيئية.